فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

ثم وصفهم عز وجل فقال: {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} أي: اتخذوا الإسلام باطلًا ودخلوا في غير دين الإسلام.
ويقال: اتخذوا عبدًا لهوًا وفرحًا.
{وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} أي: غرّهم ما أصابهم من زينة الدنيا {فاليوم ننساهم} أي نتركهم في النار {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} أي: كما تركوا العمل ليومهم هذا.
ويقال: كما تركوا الإيمان ليومهم هذا يعني: أنكروا البعث {وَمَا كَانُواْ بآياتنا يَجْحَدُونَ} يعني: بجحدهم بآياتنا بأنها ليست من عند الله تعالى. اهـ.

.قال الثعلبي:

{الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا}
وهو ما زيّن لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام والمكاء والتصدية حول البيت وسائر الخصال الرديئة الدنيئة التي كانوا يفعلونها في جاهليتهم، والدين كل ما أطيع به والتزم من حق أو باطل، وقال أبو روق: دينهم أو عقيدتهم {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم نَنسَاهُمْ} نتركهم في النار {كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا} الآية، أضيف الدين إليهم من حيث قولهم أن يلتزموه إذ هو دين الله من حيث أمر به، ودين جميع الناس من حيث أمروا به، {وغرتهم الحياة الدنيا} يحتمل أن يكون من كلام أهل الجنة، ويكون ابتداء كلام الله من قوله: {فاليوم}، ويحتمل أن يكون الكلام من أوله من كلام الله عز وجل، ومعنى قوله: {اتخذوا دينهم لهوًا} أي بالإعراض والاستهزاء لمن يدعوهم إلى الإسلام، {وغرتهم الحياة الدنيا} أي خدعتهم بزخرفها واعتقادهم أنها الغاية القصوى، ويحتمل أن يكون اللفظ من الغر وهو ملء الفم أي أشبعتهم وأبطرتهم، وأما قوله: {فاليوم ننساهم} فهو من إخبار الله عز وجل عما يفعل بهم، والنسيان في هذه الآية هو بمعنى الترك، أي نتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم، قاله ابن عباس وجماعة من المفسرين، قال قتادة نسوا من الخير ولم ينسوا من الشر، وإن قدر النسيان بمعنى الذهول من الكفرة فهو في جهة ذكر الله تسمية العقوبة باسم الذنب، وقوله: {وما كانوا} عطف على ما من قوله: {كما نسوا} ويحتمل أن تقدر {ما} الثانية زائدة ويكون قوله: وكانوا عطفًا على قوله: {نسوا}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا}
قال ابن عباس: هم المستهزئون.
والمعنى: أنهم تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم.
وقال أبو رَوْق: دينهم: عيدهم.
وقال قتادة: {لهوًا ولعبًا} أي: أكلًا وشربًا.
وقال غيره: هو ما زيَّنه الشيطان لهم من تحريم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، والمكاء، والتصدية، ونحو ذلك من خصال الجاهلية.
قوله تعالى: {فاليوم ننساهم} قال الزجاج: أي: نتركهم في العذاب كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا.
وما نسق على كما في موضع جر.
والمعنى: وكجحدهم.
قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون المعنى: فاليوم نتركهم في النار على علم منا ترك ناسٍ غافلٍ كما استعملوا في الإعراض عن آياتنا وهم ذاكرون ما يستعمله من نسي وغَفَل. اهـ.

.قال القرطبي:

{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
قوله تعالى: {الذين} في موضع خفض نعت للكافرين.
وقد يكون رفعًا ونصبًا بإضمار.
قيل: هو من قول أهل الجنة.
{فاليوم نَنسَاهُمْ} أي نتركهم في النار.
{كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذا} أي تركوا العمل به وكذبوا به.
وما مصدرية، أي كنسيهم.
{وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} عطف عليه، أي وجحدهم. اهـ.

.قال الخازن:

ثم وصف الكافرين فقال تعالى: {الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا} يعني أنهم تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم ولهوا عنه.
وأصل اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه.
ويقال لهوت بكذا ولهيبت عن كذا أي اشتغلت عنه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم المستهزؤون وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعام إليه وهزؤوا به استهزاء بالله عز وجل، وقيل: هو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحائر والسوائب والمكاء والتصدية حول البيت وسائر الخصال الذميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهلية: وقيل: معنى دينهم عيدهم اتخذوه لهوًا ولعبًا لا يذكرون الله فيه {وغرتهم الحياة الدنيا} يعني وخدعهم عاجل ما هم فيه من خصب العيش ولذته وشغلهم ما هم فيه من ذلك عن الإيمان بالله ورسوله وعن الأخذ بنصيبهم من الآخرة حتى أتتهم المنية على ذلك.
والغرة غفلة في اليقظة وهو طمع الإنسان في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال والجاه ونيل الشهوات فإذا حصل ذلك صار محجوبًا عن الدين وطلبِ الخلاص لأنه غريق في الدنيا بلذاته وما هو فيه من ذلك ولما وصفهم الله تعالى بهذه الصفات الذميمة قال: {فاليوم} يوم القيامة {ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} يعني فاليوم نتركهم في العذاب المهين جياعًا عطاشًا كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا.
وهذا قول ابن عباس ومجاهد والسدي.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نسيهم من الخير ولم ينسهم من الشر.
وقيل معناه نعاملهم معاملة من نسي فنتركهم في النار كما تركوا العمل وأعرضوا عن الإيمان إعراض الناسي.
سمى الله تعالى جزاء نسيانهم بالنسيان على المجاز لأن الله تعالى لا ينسى شيئًا فهو كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها فيكون المراد من هذا النسيان أن الله تعالى لا يجيب دعاءهم ولا رحم ضعفهم وزلتهم بل يتركهم في النار كما تركوا الإيمان والعمل {وما كانوا بآياتنا يجحدون} يعني ونتركهم في النار كما كانوا بدلائل وحدانيتنا يكذبون. اهـ.

.قال أبو حيان:

{الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا وغرتهم الحياة الدنيا}
تقدّم تفسير مثل هذا في الأنعام.
{فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون} هذا إخبار من الله عما يفعل بهم، قال ابن عباس وجماعة يتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم، وقال قتادة: {نسوا} من الخير ولم ينسوا من الشر، وقال الزمخشري: يفعل بهم فعل الناسين الذين ينسون عبيدهم من الخير لا يذكرونهم به {كما نسوا لقاء يومهم هذا} كما فعلوا بلقائه فعل الناسين فلم يخطروه ببالهم ولم يهتمّوا به، وقال الحسن والسدّي أيضًا والأكثرون تتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم انتهى، وإن قدر النسيان بمعنى الذهول من الكفرة فهو في جهة الله بتسمية العقوبة باسم الذنب {وما كانوا} معطوف على ما نسوا وما فيهما مصدرية ويظهر أنّ الكاف في {كما} للتعليل. اهـ.

.قال أبو السعود:

{الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا}
كتحريم البحيرة والسائبة ونحوهما والتصدية حول البيت، واللهو صرف الهم إلى ما لا يحسن أن يصرف إليه، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب {وغرتهم الحياة الدنيا} بزخارفها العاجلة {فاليوم ننساهم} نفعل بهم ما يفعل الناسي بالمنسي من عدم الاعتداد بهم وتركهم في النار تركا كليا، والفاء في فاليوم فصيحة وقوله تعالى: {كما نسوا لقاء يومهم هذا} في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي ننساهم نسيانا مثل نسيانهم لقاء يومهم هذا حيث لم يخطروه ببالهم ولم يعتدوا له، وقوله تعالى: {وما كانوا بآياتنا يجحدون} عطف على ما نسوا أي وكما كانوا منكرين بأنها من عند الله تعالى إنكارا مستمرا. اهـ.

.قال الألوسي:

{الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ}
الذي أمرهم الله تعالى به أو الذي يلزمهم التدين بن {لَهْوًا وَلَعِبًا} فلم يتدينوا به أو فحرموا ما شاؤوا واستحلوا ما شاؤوا، واللهو كما قيل صرف الهم إلى ما لا يحسن أن يصرف إليه، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب، وقد تقدم تفصيل الكلام فيهما فتذكر {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} شغلتهم بزخارفها العاجلة ومواعيدها الباطلة وهذا شأنها مع أهلها قاتلها الله تعالى تغر وتضر وتمر {فاليوم ننساهم} نفعل بهم فعل الناسي بالمنسي من عدم الاعتداد بهم وتركهم في النار تركًا كليًا فالكلام خارج مخرج التمثيل، وقد جاء النسيان بمعنى الترك كثيرًا ويصح أن يفسر به هنا فيكون استعارة أو مجازًا مرسلًا، وعن مجاهد أنه قال: المعنى نؤخرهم في النار، وعليه فالظاهر أن ننساهم من النسء لا من النسيان.
والفاء في قوله تعالى: {فاليوم} فصيحة.
وقوله عز وعلا: {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} قيل: في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي ننساهم نسيانًا مثل نسيانهم لقاء هذا اليوم العظيم الذي لا ينبغي أن ينسى.
وليس الكلام على حقيقته أيضًا لأنهم لم يكونوا ذاكري ذلك حتى ينسوه بل شبه عدم إخطارهم يوم القيامة ببالهم وعدم استعدادهم له بحال من عرف شيئًا ثم نسيه.
وعن ابن عباس ومجاهد والحسن أن المعنى كما نسوا العمل للقاء يومهم هذا وليس هذا التقدير ضروريًا كما لا يخفى، وذهب غير واحد إلى أن الكاف للتعليل متعلق بما عنده لا للتشبيه إذ يمنع منه قوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ بآياتنا يَجْحَدُونَ} لأنه عطف على {مَا نَسُواْ} وهو يستدعي أن يكون مشبهًا به النسيان مثله.
وتشبيه النسيان بالجحود غير ظاهر، ومن ادعاه قال: المراد نتركهم في النار تركًا مستمرًا كما كانوا منكرين أن الآيات من عند الله تعالى إنكارًا مستمرًا.
وقال القطب: الجحود في معنى النسيان، وظاهر كلام كثير من المفسرين أن كلام أهل الجنة إلى {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} لا {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} [الأعراف: 50] فقط.
وقال بعضهم: إنه ذلك لا غير، وعليه فيجوز أن يكون {الذين} مبتدأ وجملة {اليوم ننساهم} خبره، والفاء فيه مثلها في قولك: الذي يأتيني فله درهم كما قيل. اهـ.

.قال القاسمي:

{الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} أي: مما زينه لهم الشيطان. واللهو: كل ما صد عن الحق، واللعب: كل أمر باطل، أي: ليس دينهم في الحقيقة إلا ذلك، إذ هو دأبهم وديدنهم: {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزخارفها العاجلة، فلم يعملوا: {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ} أي: نتركهم ترك المنسي، فلا نرحمهم بما نرحم به من عمل للآخرة.
{كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا} أي: كما فعلو بلقائه، فعل الناسين، فلم يُخطروه ببالهم، ولم يهتموا به.
لطيفة:
قال الشهاب: {نَنْسَاهُمْ} تمثيل، شبّه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتد به، ويلتفت لغيه، فينسى، لأن النسيان لا يجوز على الله تعالى، أي: لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء، كما قال: {فِيْ كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}، والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثير في لسان العرب.
ويصح هنا أيضًا، فيكون استعارة تحقيقية، أو مجازًا مرسلًا، وكذا نسيانهم لقاء الله أيضًا، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه، فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم، وقلة مبالاتهم بحال من عرف شيئًا، ثم نسيه، وليست الكاف للتشبيه، بل للتعليل، ولا مانع من التشبيه أيضًا. انتهى.
وقال تعالى: {وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} أي: وكما كانوا منكرين أنها من عند الله تعالى.
روى الترمذي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ قال فيقول: لا! فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني».
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: فيلقى العبد ربه، فيقول: أي: قل! ألم أكرمك وأسوّدك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأتركك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب! فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: إني أنساك كما نسيتني!. اهـ.